نعم أتمنى

16.2.11



نعم  ........... أتمنى


(1)





كأنه يوم فرحى , حلقت ذقنى , ارتدين الجاكيت الاسود و القميص الاحمر و الكوفية البيضاء, تسألنى أمى باستغراب " الى أين أنت ذاهب؟ " , فأخبرها أنى ذاهب لأصلى . ذهبت الى مسجد غير الذى اعتدت الصلاة فيه , وصلت فى بداية الخطبة , كل الناس تشاهدنى و تتابع خطواتى , عندما اقتربت من المصلين المفترشين خارج المسجد شعرت بعدد لا يستهان به ممن تركوا الخطبة و اخذ ينظر الى , و هذه النظرة فى مثل هذا اليوم لا توحى الا بأمرين لم أرى ثالث لهما :  إما أنهم مخبرين , أو أنهم يظنون أننى أحدهم, تجاهلت تلك النظرات و جلست لأستمع , كانت خطبته عن الصلاة , استغربتها , أو بمعنى آخر كنت اتوقع خطبة أخرى توافق ما يحدث حولنا فتحمسنى او يحبطنى, و بمجرد أن انتهى الامام من خطبته, ظللت أراقب من حولى بكل حذر , شعرت أن جموع من خرجوا من الصلاة سوف تنقض على, وجدت أحد المصلين يهمس الى " ها .. مش هنقوم " لم أنظر اليه و لم أرد ,أخبرت نفسى     " ما هو لو مخبر هروح فى داهية , و لو هو اللى مفكرنى مخبر , ما هو برضه هروح فى داهية , سأبقى مكانى متجاهله" فأضاف " ها يا عمر مش يللا بقى , هنفضل واقفين كده كتير " و امتلأ قلبى يقينا أن هذا الرجل هو " من الناس التانيين " الذى جاء ليضعنى فى أحد المعتقلات , أما عما حدث , فهو أنى حينما نظرت اليه,اكتشف أنه صديقى الذى وافقنى على مقابلته فى هذا المكان, و بكلماته الساحر زادت من ريب الناس فى شخصيتى  .. و  لم توح هذه النظرات الا أنهم سوف يهجمون,  أعلم السبب و لا زلت خائفا. فتركتهم مسرعا متجها الى مكان اخر رأيت الناس من حولى قد كثرت كأنهم يتتبعوننى, كأنهم ينتظرون شيئا, و رأيت حشودا من كل حدب , مجموعات كبيرة كلها تتجمع و أراها فى طريقها إلىُ , زاد قلقى و خوفى , لقد حذرتنى أمى كثيرا من عواقب خروجى ... انهم يقتربون ,  يقتربون أكثر , كلهم يأتون من بداية هذا الشارع حيث تقف عشرات من سيارات الأمن مركزى ,أوشك قلبى على الانفجار و يسلك طريقه خارج صدرى من شدة نبضاته , كنت أحدث نفسى "هذه أول و اخر مرة أخرج فيها فى أى مظاهرة " , و لكننى سريعا فكرت " ان كانت هى اخر مرة , اذا لن أضيعها هباء , فصرخت بكل ما أوتيت من قوة كأن روحى خرجت معها  " يسقط يسقط حسنى مبارك " ... ياليتنى ما قلتها , اذ بى خير اللهم اجعله خير , أرى كل من حولى يتسارعون فى الوصول الى, و رأيت شابين ضخمين , كانا أسرع الموجودين, ازداد خوفى , و لكنه كلما زاد , كلما زادت شجاعتى, و  لا أدرى كيف ؟! فنظرت الى ذلك الشابين بكل جرأة معلنا عدم اهتزاز موقفى و أعلنتها مرة أخرى بصوت أقوى " يسقط يسقط حسنى مبارك "  فأخذا قدمى و رفعانى عاليا, و هنا تذكرت مقولة سعيد صالح الشهيرة فى مسرحية " العيال كبرت " متحدثا عن ذلك الرجل الذى حمله على ذراعه " و فجأة لقيت دراعه ده كله بقى ميااااه " ....


و على غير ما توقعته و أوهمت به نفسى لما يحاول الكثير من الفاسدين اثارته من الخوف فى قلوبنا , اكتشفت ان هذين الشابين و من حولهما كانوا من المؤيدين للموقف , و كانوا يرددوا نفس ما أقول و فى ذلك الموقع العالى كنت أهتف , و كل من حولى يردد بنفس الحماس , بنفس القوة , كنت أنظر لعيونهم , كلهم ينطقون بنفس الجملة و لكنها تخرج من فم أحدهم لتحكى قصة حياته كاملة , كلهم ركزوا مظالمهم فى حياتهم و خوفهم على مستقبل أبنائهم و أحفادهم فى شخص هذا الرجل, منهم من يئس من سوء معاملته فى أى مصلحة حكومية , و الذل الذى يلقاه من رجال الشرطة, و الرشاوى التى تقضى على قوت يومه المتواضع , و من يحمل جسده أشد الأمراض و لا يرى أملا فى علاجه, فالمستشفيات الحكومية مريض يئسنا من
 علاجه, و منهم من يشعر بالاهانة لأنه يرى أن بلده تباع لمن أطلقنا عليهم "العصابة" ...

بقيت صامدا لعدة دقائق فقط , فقد نفذ رصيدى من الهتافات , خفت أن أصمت فيحبط من حولى , كل ما كنت أعرفه هو أن الهدف هو الذهاب الى ميدان التحرير و لكن دون تفاصيل, و لكن ربنا أرسل لنا من يساعد و هم من اطلق عليهم – ذوى الخبرة -  محضرين لعدد من الهتافات , و يعلمون كيف يجمعون الناس حولهم , و يشجعونهم , بل و يدعون من يكتفون بالنظر من شرفات منازلهم ......


كانت بداية لمسيرة رائعة, و اذا سألنى أحد حينها هل ستستمر هذه المسيرة – قبل أن تصبح ثورة ؟ هل ستؤتى ثمارها ؟
 أعتقد أن اجابتى حينها مع كل ما رأيته من حماس و اصرار  لا يمنعان الخوف , و لكن يؤجلا الحديث فيه , لا يضمنان الاسمرار أو النجاح , و لكن يملآن القلب بالأمل فيهما ..

هى : "نعم  ........... أتمنى "


(( و للحديث بقية ))




0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
موهندس خانة © 2013 | Plantilla diseñada por Ciudad Blogger